الضيافة و الفندقة

تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية السعودية 2030، وقد شهدت انطلاقة واسعة لعدد من مشاريع التطوير العقاري والبنية التحتية، من بينها خطة لتوفير أكثر من 315,000 غرفة فندقية. وتُصنّف هذه المشاريع ضمن المشاريع قيد التنفيذ أو المخطط لها مستقبلاً، بتكلفة تتجاوز تريليون دولار أمريكي، ما يجعلها من الركائز الأساسية للرؤية الطموحة التي تستهدف الاستثمار في مستقبل قطاع الضيافة بالمملكة. و من المتوقع أن يتضاعف عدد الغرف الفندقية ليصل إلى نحو 200,000 غرفة خلال السنوات الأربع إلى الخمس المقبلة، مع استهداف تحقيق نسبة تشغيل لا تقل عن 50% بحلول عام 2028. ويأتي ذلك في ظل انسحاب بعض الفنادق والعقارات القائمة من السوق، مما يفسح المجال أمام إنشاء فنادق ومنتجعات جديدة تتميز بمستوى أعلى من التنافسية والجاذبية. تسعى المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ مكانتها على الساحة العالمية من خلال عرض رؤيتها الطموحة لمستقبل عصري ومزدهر، وذلك عبر سلسلة من المشاريع العملاقة التي تهدف إلى إحداث تحول شامل في مشهد قطاع العقارات، وإعادة تعريف مفاهيم السياحة، وأنماط المعيشة، وأسلوب الحياة داخل المملكة. و تستهدف استراتيجية المملكة استقطاب 100 مليون سائح بحلول عام 2030، مما يتطلب تحوّلًا نوعيًا واسع النطاق في مجال التطوير العقاري، من أبرز أمثلته مشروع "نيوم" الذي تصل تكلفته إلى 500 مليار دولار أمريكي. ومن الجدير بالذكر أن المشاريع التي بدأ تنفيذها فعليًا، بتكلفة تتجاوز تريليون دولار أمريكي، تمثل فقط ثلث إجمالي خطة الإنفاق الرامية إلى تطوير بنية تحتية متقدمة، ومرافق ضيافة وسياحة وسكن عالية المستوى، لتحقيق مستهدفات رؤية 2030. و يُظهر المشهد الاستثماري في قطاع الضيافة آفاقًا واعدة، حيث لم يعد التطوير مقتصرًا على المدن الكبرى مثل الرياض وجدة، بل امتد ليشمل مختلف المناطق في المملكة. وتشير التحليلات إلى أن تكلفة تنفيذ مشاريع الغرف الفندقية المخطط لها، بما في ذلك الشقق الفندقية الفاخرة والمتوسطة والمخدومة، تبلغ نحو 110 مليار دولار أمريكي. وتواصل المملكة اتخاذ خطوات ملموسة لتسهيل نمو مختلف القطاعات، لا سيما في مجالي السياحة والضيافة، من خلال ضخ استثمارات ضخمة وتطوير الأطر التشريعية والإجرائية، ومنها تسهيل الحصول على التأشيرات. وقد أسفرت هذه الجهود عن زيادة ملحوظة في أعداد السياح خلال الـ18 شهرًا الماضية، ليس فقط في السياحة الدينية والتجارية، بل كذلك في السياحة الترفيهية وسياحة الأعمال. كما بدأت العديد من المدن الصغيرة باستقبال الزوار من مختلف أنحاء العالم، في ظل تنوع الخيارات السياحية المتاحة، مما يعزز من التوقعات الإيجابية لمستقبل القطاع. و تُظهر الدراسات أن عدد الغرف الفندقية والشقق الفندقية المخدومة خارج نطاق المشاريع العملاقة يبلغ حاليًا نحو 129,000 غرفة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنسبة تتجاوز 60% ليصل إلى 212,000 غرفة بحلول عام 2030. وتمثل الفنادق من فئة 4 نجوم ما يقارب نصف إجمالي تكلفة التطوير البالغة 21.3 مليار دولار، في حين تشكل المشاريع العملاقة نحو 73% من مشاريع الفنادق المستقبلية. كما يُتوقع ارتفاع عدد الغرف من فئتي 4 و5 نجوم بنسبة 62% بنهاية العقد الجاري. و يمتد التوسع السياحي في المملكة ليشمل مجالات جديدة، أبرزها قطاع السفن السياحية، والذي من المتوقع أن يوفر أكثر من 50,000 فرصة عمل ويستقطب نحو 1.5 مليون زائر سنويًا خلال السنوات الخمس القادمة، بحسب صندوق الاستثمارات العامة. نحن اليوم على مشارف مرحلة جديدة تمثل تحولًا عمليًا في قطاع الضيافة، حيث تتجاوز الاستثمارات المقدرة بـ110 مليار دولار مجرد زيادة في عدد الغرف، إلى تطوير منظومة متكاملة من المنتجات والخدمات المصممة بعناية لتلبية احتياجات السوق. ويكمن التحدي في تقديم هذه الحلول في المواقع المناسبة، وبأعلى جودة ممكنة، مع استثمار الفرص وتحويل التحديات إلى إنجازات تدعم التنمية الشاملة في المملكة. و من المتوقع أن تتجه سوق الضيافة السعودية نحو نماذج تشغيل أكثر تنوعًا، بما في ذلك اتفاقيات الامتياز والتأجير، وذلك نتيجة لنطاق التطوير الكبير وطبيعة الملكية. وسيُعزز ذلك من ارتباط السوق بعدد من العلامات الفندقية المعروفة، ونمو شركات الإدارة المحلية، وتطور العلامات التجارية الوطنية. كما ستزداد اتفاقيات التأجير مع نضوج السوق واستقرارها، في ظل شروط تشغيلية أكثر تنافسية وتركيز أكبر على قدرة المشغلين على تعظيم القيمة. و لتحقيق استثمار فعّال في هذا التحول، لا بد من تبني عقلية جديدة تتجاوز مجرد توفير الغرف، لتقديم تجربة ضيافة شاملة ولا تُنسى. ويتطلب ذلك فهمًا عميقًا لسلوك الضيوف وتطلعاتهم وتفضيلاتهم، بما في ذلك استعدادهم للإنفاق. ومع تنامي المنافسة وتراجع الولاء للعلامات التقليدية، تصبح القدرة على الحفاظ على التميز والهوية السياحية أمرًا بالغ الأهمية للنجاح في هذا القطاع الحيوي.